فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



بل هو رجاء لثمرة الصبر فهو يقول ان واقعة يوسف السابقة وهذه الواقعة التي اخذت منى ابنين آخرين انما هما لامر ما سولته لكم انفسكم فسا صبر صبرا وارجو به ان ياتيني الله بابنائى جميعا ويتم نعمته على آل يعقوب كما وعدنيه انه هو العليم بمورد الاجتباء واتمام النعمة حكيم في فعله يقدر الأمور على ما تقتضيه الحكمة البالغة فلا ينبغى للإنسان ان يضطرب عند البلايا والمحن بالطيش والجزع ولا ان ييأس من روحه ورحمته.
والاسمان العليم الحكيم هما اللذان ذكرهما يعقوب ليوسف عليه السلام لاول مرة اول رؤياه فقال ان ربك عليم حكيم ثم ذكرهما يوسف ليعقوب عليه السلام ثانيا حيث رفع ابويه على العرش وخروا له سجدا فقال يا ابت هذا تأويل رؤياي إلى ان قال وهو العليم الحكيم.
قوله تعالى: {وتولى عنهم وقال يا اسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم} قال الراغب في المفردات الاسف الحزن والغضب معا وقد يقال لكل واحد منهما على الانفراد وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضبا ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا إلى ان قال وقوله تعالى: {فلما آسفونا} انتقمنا منهم أي اغضبونا قال أبو عبد الله غضبه قال وعلى ذلك قال- من اهان لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة انتهى.
وقال الكظم مخرج النفس يقال اخذ بكظمه والكظوم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت كقولهم فلان لا يتنفس إذا وصف بالمبالغة في السكوت وكظم فلان حبس نفسه قال تعالى: {إذ نادى وهو مكظوم} وكظم الغيظ حبسه قال تعالى: {والكاظمين الغيظ} ومنه كظم البعير إذا ترك الاجترار وكظم السقاء شدة بعد ملئه مانعا لنفسه انتهى.
وقوله: {وابيضت عيناه من الحزن} ابيضاض العين أي سوادها هو العمى وبطلان الابصار وربما يجامع قليل ابصار لكن قوله الاتى: {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا} الآية: 93 من السورة يشهد بانه كناية عن ذهاب البصر.
ومعنى الآية ثم تولى واعرض يعقوب عليه السلام عنهم أي عن ابنائه بعد ما خاطبهم بقوله بل سولت لكم انفسكم امرا وقال يا اسفى ويا حزني على يوسف وابيضت عيناه وذهب بصره من الحزن على يوسف فهو كظيم حابس غيظه متجرع حزنه لا يتعرض لبنيه بشئ.
قوله تعالى: {قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين} الحرض والحارض المشرف على الهلاك وقيل هو الذي لا ميت فينسى ولا حى فيرجى والمعنى الأول انسب بالنظر إلى مقابلته الهلاك والحرض لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر.
والمعنى نقسم بالله لا تزال تذكر يوسف وتديم ذكره منذ سنين لا تكف عنه حتى تشرف على الهلاك أو تهلك وظاهر قولهم هذا انهم انما قالوه رقة بحاله ورأفة به ولعلهم انما تفوهوا به تبر ما ببكائه وسأمة من طول نياحه ليوسف وخاصة من جهة انه كان يكذبهم في ما كانوا يدعونه من أمر يوسف وكان ظاهر بكائه وتأسفه انه يشكوهم كما ربما يؤيده قوله: {انما اشكوا} إلخ.
قوله تعالى: {قال انما اشكوا بثى وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون} قال في المجمع البث الهم الذي لا يقدر صاحبه على كتمانه فيبثه أي يفرقه وكل شيء فرقته فقد بثثته ومنه قوله: {وبث فيها من كل دابة} انتهى فهو من المصدر بمعنى المفعول أي المبثوث.
والحصر الذي في قوله انما اشكوا الخ من قصر القلب فيكون مفاده انى لست اشكو بثى وحزني اليكم معاشر ولدى واهلى ولو كنت اشكوه اليكم لا نقطع في اقل زمان كما يجرى عليه دأب الناس في بثهم وحزنهم عند المصائب وانما اشكو بثى وحزني إلى الله سبحانه ولا ياخذه ملل ولا سأمة فيما يسأله عنه عباده ويبرمه ارباب الحوائج ويلحون عليه واعلم من الله ما لا تعلمون فلست ايأس من روحه ولا اقنط من رحمته.
وفى قوله: {واعلم من الله ما لا تعلمون} اشارة اجمالية إلى علمه بالله لا يستفاد منه الا ما يساعد على فهمه المقام كما اشرنا إليه.
قوله تعالى: {يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون} قال في المجمع التحسس بالحاء طلب الشيء بالحاسة والتجسس بالجيم نظيره وفي الحديث: لا تحسسوا ولا تجسسوا وقيل ان معناهما واحد ونسق احدهما على الاخر لاختلاف اللفظين كقول الشاعر:
متى ادن منه ينأ عنه ويبعد

وقيل التجسس بالجيم البحث عن عورات الناس وبالحاء الاستماع لحديث قوم وسئل ابن عباس عن الفرق بينهما؟ قال: لا يبعد احدهما عن الاخر التحسس في الخير والتجسس في الشر انتهى.
وقوله: {ولا تيأسوا من روح الله} الروح بالفتح فالسكون النفس أو النفس الطيب ويكنى به عن الحالة التي هي ضد التعب وهى الراحة وذلك ان الشدة التي فيها انقطاع الأسباب وانسداد طرق النجاة تتصور اختناقا وكظما للإنسان وبالمقابلة الخروج إلى فسحة الفرج والظفر بالعافية تنفسا وروحا لقولهم يفرج الهم وينفس الكرب فالروح المنسوب إليه تعالى هو الفرج بعد الشدة باذن الله ومشيته وعلى من يؤمن بالله ان يعتقد ان الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا قاهر لمشيته ولا معقب لحكمه وليس له ان ييأس من روح الله ويقنط من رحمته فانه تحديد لقدرته وفي معنى الكفر باحاطته وسعة رحمته كما قال تعالى حاكيا عن لسان يعقوب عليه السلام: {انه لا يياس من روح الله الا القوم الكافرون} وقال حاكيا عن لسان إبراهيم عليه السلام: {ومن يقنط من رحمه ربه الا الضالون} الحجر: 56 وقد عد اليأس من روح الله في الاخبار المأثورة من الكبائر الموبقة.
ومعنى الآية ثم قال يعقوب لبنيه آمرا لهم: {يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه} الذي اخذ بمصر وابحثوا عنهما لعلكم تظفرون بهما: {ولا تياسوا من روح الله} والفرج الذي يرزقه الله بعد الشدة: {انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون} الذين لا يؤمنون بان الله يقدر ان يكشف كل غمة وينفس عن كل كربة قوله تعالى: {فلما دخلوا عليه قالوا يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة} الخ البضاعة المزجاة المتاع القليل وفي الكلام حذف والتقدير فساروا بنى يعقوب إلى مصر ولما دخلوا على يوسف قالوا إلخ.
كانت لهم على ما يدل عليه السياق حاجتان إلى العزيز ولا مطمع لهم بحسب ظاهر الأسباب إلى قضائهما واستجابته عليهم فيهما.
احداهما ان يبيع منهم الطعام ولا ثمن عندهم يفى بما يريدونه من الطعام على انهم عرفوا بالكذب وسجل عليهم السرقة من قبل وهان امرهم على العزيز لا يرجى منه ان يكرمهم بما كان يكرمهم به في الجيئة الأولى.
وثانيتهما ان يخلى عن سبيل اخيهم المأخوذ بالسرقة وقد استيأسوا منه بعد ما كانوا الحوا عليه فأبى العزيز حتى عن تخلية سبيله بأخذ احدهم مكانه.
ولذلك لما حضروا عند يوسف العزيز وكلموه وهم يريدون اخذ الطعام واعتاق اخيهم اوقفوا انفسهم موقف التذلل والخضوع وبالغوا في رقة الكلام استرحاما واستعطافا فذكروا أو لا ما مسهم واهلهم من الضر وسوء الحال ثم ذكروا قلة ما اتوا به من البضاعة ثم سألوه ايفاء الكيل واما حديث اخيهم المأخوذ فلم يصرحوا بسؤال تخلية سبيله بل سألوه ان يتصدق عليهم وانما يتصدق بالمال والطعام مال واخوهم المسترق مال العزيز ظاهرا ثم حرضوه بقولهم: {ان الله يجزى المتصدقين} وهو في معنى الدعاء.
فمعنى الآية يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر واحاط بنا جميعا المضيقة وسوء الحال وجئنا اليك ببضاعة مزجاة ومتاع قليل لا يعدل ما نسألك من الطعام غير انه نهاية ما في وسعنا فأوف لنا الكيل وتصدق علينا وكأنهم يريدون به اخاهم أو اياه والطعام ان الله يجزى المتصدقين خيرا.
وقد بدؤا القول بخطاب: {يا ايها العزيز} وختموه بما في معنى الدعاء واتوا خلاله بذكر سوء حالهم والاعتراف بقلة بضاعتهم وسؤاله ان يتصدق عليهم وهو من أمر السؤال والموقف موقف الاسترحام ممن لا يستحق ذلك لسوء سابقته وهم عصبة قد اصطفوا امام عزيز مصر.
وعند ذلك تمت الكلمة الإلهية انه سيرفع يوسف واخاه ويضع عنده سائر بنى يعقوب لظلمهم ولذلك لم يلبث يوسف عليه السلام دون ان اجابهم بقوله: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه} وعرفهم نفسه وقد كان يمكنه عليه السلام ان يخبر اباه واخوته مكانه وانه بمصر طول هذه المدة غير القصيرة لكن الله سبحانه شاء ان يوقف اخوته امامه ومعه اخوه المحسود موقف المذلة والمسكنة وهو متك على اريكه العزة.
قوله تعالى قال: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه إذ انتم جاهلون} انما يخاطب المخطئ المجرم بمثل هل علمت وأتدرى وأرايت ونحوها وهو عالم بما فعل لتذكيره جزاء عمله ووبال ذنبه لكنه عليه السلام اعقب استفهامه بقوله: {إذ انتم جاهلون} وفيه تلقين عذر.
فقوله: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه} مجرد تذكير لعملهم بهما من غير توبيخ ومؤاخذة ليعرفهم من الله عليه وعلى اخيه وهذا من عجيب فتوة يوسف عليه السلام ويا لها من فتوة.
قوله تعالى: {قالواء انك لانت يوسف قال انا يوسف وهذا اخى قد من الله علينا} إلى آخر الآية تأكيد الجملة المستفهم عنها للدلالة على ان الشواهد القطعية قامت على تحقق مضمونها وانما يستفهم لمجرد الاعتراف فحسب.
وقد قامت الشواهد عندهم على كون العزيز هو اخاهم يوسف ولذلك سألوه بقولهم: {ء إنك لانت يوسف} مؤكدا بان واللام وضمير الفصل فأجابهم بقوله: {انا يوسف وهذا اخى} وانما الحق اخاه بنفسه ولم يسالوا عنه وما كانوا يجهلونه ليخبر عن من الله عليهما وهما معا المحسودان ولذا قال: {قد من الله علينا}.
ثم اخبر عن سبب المن الإلهى بحسب ظاهر الأسباب فقال: {انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين} وفيه دعوتهم إلى الاحسان وبيان انه يتحقق بالتقوى والصبر.
قوله تعالى: {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين} الايثار هو الاختيار والتفضيل والخطأ ضد الصواب والخاطئ والمخطئ من خطا خطا واخطا اخطاء بمعنى واحد ومعنى الآية ظاهر وفيها اعترافهم بالخطأ وتفضيل الله يوسف عليهم.
قوله تعالى: {قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين} التثريب التوبيخ والمبالغة في اللوم وتعديد الذنوب وانما قيد نفى التثريب باليوم ليدل على مكانة صفحه واغماضه عن الانتقام منهم والظرف هذا الظرف هو عزيز مصر اوتى النبوة والحكم وعلم الاحاديث ومعه اخوه وهم اذلاء بين يديه معترفون بالخطيئة وان الله آثره عليهم بالرغم من قولهم اول يوم: {ليوسف واخوه احب إلى ابينا منا ونحن عصبة ان ابانا لفى ضلال مبين}. ثم دعا لهم واستغفر بقوله: {يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين} وهذا دعاء واستغفار منه لاخوته الذين ظلموه جميعا وان كان الحاضرون عنده اليوم بعضهم لا جميعهم كما يستفاد من قوله تعالى الاتى: {قالوا تالله انك لفى ضلالك القديم} وسيجئ ان شاء الله تعالى. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا}
قوله تعالى: {مُّزْجَاةٍ}: أي: مَدْفُوعة يَدْفَعها كلُّ أحدٍ عنه لزهادته فيها، ومنه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِي سَحَابًا} [النور: 43]، أي: يَسُوقها بالريح. وقال حاتم الطائي:
لِيَبْكِ على مِلْحانَ ضَيْفٌ مُدَفَّعٌ ** وأَرمَلَةٌ تُزْجي مع الليل أَرْمَلا

ويقال: أَزْجَيْتُ رديءَ الدرهم فَزُجِيَ، ومنه استعير زَجَا الخراج يَزْجُو زَجَاءً، وخَراجٌ زاجٍ، وقولُ الشاعر:
غيرِ مُزْجاةٍ من الحاجِ

أي: غير يسيرةً يمكن دَفْعُها وصَرْفها لقلة الاعتداد بها فألف: {مُزْجاةٌ} منقلبة عن واو.
وقوله: {فَأَوْفِ لَنَا الكيل} يجوز أن يُراد به حقيقته من الآلة، وأن يُرادَ به المَكِيل فيكونَ مصدرًا.
{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)}
وقوله تعالى: {هَلْ عَلِمْتُمْ}: يجوزُ أن يكونَ استفهامًا للتوبيخ وهو الأظهرُ. وقيل: هو خبر، وهل بمعنى قد.
{قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا}
قوله تعالى: {أَإِنَّكَ}: قرأ ابن كثير، إنَّك بهمزة واحدة والباقون بهمزتين استفهامًا، وقد عَرَفْتَ قراءاتهم في هاتين الهمزتين تخفيفًا وتسهيلًا وغيرَ ذلك. فأمَّا قراءة ابن كثير فيحتمل أن تكون خبرًا محضًا، واستُبْعِد هذا مِنْ حيث تخالُفُ القراءتين مع أن القائلَ واحد، وقد أجيب عن ذلك بأنَّ بعضَهم قاله استفهامًا، وبعضهم قاله خبرًا، ويحتمل أن تكونَ استفهامًا حُذِفَت منه الأداة لدلالة السياق، والقراءةُ الأخرى عليه. وقد تقدَّم لك نحوٌ من هذا في الأعراف. و: {لأَنْتَ} يجوز أن تكونَ: {أنت} مبتدأً و: {يوسف} خبرُه، والجملةُ خبر: {إنَّ} دَخَلَتْ عليها لامُ الابتداء. ويجوز أن يكونَ فصلًا، ولا يجوز أن يكونَ تأكيدًا لاسم إنَّ؛ لأنَّ هذه اللامَ لا تَدْخُل على التوكيد.
وقرأ أُبَيّ: {أإنك أو أنت يوسف}، وفيها وجهان، أحدهما ما قاله أبو الفتح: من أن الأصل أإنك لغيرُ يوسف أو أنت يوسفُ، فحذف خبر: {إن} لدلالة المعنى عليه. الثاني ما قاله الزمخشري: وهو إنك يوسفُ أو أنت يوسف فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، وهذا كلامُ متعجبٍ مُسْتَغْرِبٍ لِما يَسْمع فهو يكرِّر الاستثباتَ.
قوله: {يَتَّقِ} قرأ قنبل: {يَتَّقي} بإثبات الياء وصلًا ووقفًا، والباقون بحذفها فيهما. وأمَّا قراءةُ الجماعة فواضحة لأنه مجزوم. وأما قراءةُ قنبل فاخْتَلَفَ فيها الناسُ على قولين، أجودهما: أنَّ إثباتَ حرفِ العلة في الحركة لغةٌ لبعض العرب، وأنشدوا على ذلك قولَ قيس ابن زهير:
ألم يأتيك والأنباء تَنْمي ** بما لاقَتْ لَبونُ بني زيادِ

وقول الآخر:
هَجَوْت زَبَّانَ ثم جِئْتَ مُعْتَذِرًا ** مِنْ هَجْوِ زَبَّانَ لم تَهْجُو ولم تَدَعِ

وقول الآخر:
إذا العجوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقِ ** ولا تَرَضَّاها ولا تَمَلَّقِ

ومذهبُ سيبويه أنَّ الجزمَ بحذف الحركة المقدرة، وإنما تبعها حرفُ العلة في الحذف تَفْرِقةً بين المرفوع والجزوم. واعتُرض عليه بأنَّ الجازم يُبَيِّن أنه مجزوم، وعَدَمَه يبيَّن أنه غير مجزوم. وأجيب بأنه في بعض الصور يُلْبِس فاطَّرَدَ الحَذْفُ، بيانُه أنك إذا قلت: زُرْني أعطيك بثبوت الياء احتمل أن يكون أعطيك جزاءً لزيارته، وأن يكونَ خبرًا مستأنفًا، فإذا قلت: أُعْطك بحذفها تعيَّن أن يكونَ جزاءً له، فقد وقَع اللَّبْسُ بثبوت حرف العلة وفُقِد بحَذْفِه، فيقال: حرفُ العلةُ يُحذف عند الجازم لا به. ومذهب ابن السَّراج أن الجازم أَثرَّ في نفسِ الحرف فحذفه، وفيه البحث المتقدم.
الثاني: أنه مرفوعٌ غير مجزومٍ، و: {مَنْ} موصولةٌ والفعل صلتُها، فلذلك لم يَحْذف لامَه. واعْتُرِض على هذا بأنه قد عُطِف عليه مجزومٌ وهو قولُه: {ويَصْبِرْ} فإنَّ قنبلًا لم يَقْرأه إلا ساكنَ الراء.